بينما أتحفنا المذيع القاتل وأغرقنا بمذكراته التى نافست مذكرات تشرشل وهتلر وكازانوفا ورشدى أباظة، صمتت الضحية بائعة البن لأنها لا تجيد كتابة المذكرات وربما لا تجيد القراءة والكتابة أصلاً، فالمجتمع يستمع وينصت بل يتسامح مع المذيع، لأنه أولاً رجل ذكر، وفى عُرفنا وتقاليدنا الرجل لا يحاكم على نزواته وغزواته النسائية، وثانياً مشهور، يطل علينا عبر الشاشة ومغفور له التلاعب بمشاعر الستات البيئة البلدى اللاتى يقمن بدور تدليك غدة النرجسية لديه وصيانة أجهزته وتغيير قطع غياره، استعداداً للقاء الستات الشيك، لذلك، فرحت عندما وصلتنى مذكرات ماجدة القتيلة التى كتبتها من العالم الآخر ببلاغة الموت وفصاحة الرحيل من عالم ظلمها ولاك سيرتها ولم يسمح لها بالدفاع أو حتى بالبكاء.

كتبت بائعة البن من العالم الآخر: «حولنى زوجى المذيع إيهاب من ضحية إلى مجرمة، إيهاب الذى من فرط حبى له أطلقت على محل البن الذى أملكه اسم الدلع (بوب)، واحتفلت بعيد ميلاده قبل أن يطلق علىّ الرصاص بأربعة أيام، وأحضرت له «موتوسيكل» هدية، وطلبت ممن يقطع التورتة عدم المساس بقلب إيهاب الذى طبعت صورته عليها،

وقبل أن أكون ضحية إيهاب فأنا ضحية هذا المجتمع الظالم الذى صنفنى على أننى عانس، منتهية الصلاحية، دبلوم صنايع، مع بدانة وفقر وانتماء لمنطقة شعبية.. كلها مؤهلات تؤدى حتماً إلى طريق العنوسة والتعاسة فى مجتمع يصنف التى فاتها قطار الزواج على أنها إنسانة مزعجة، وعورة يجب سترها، وعبء ثقيل يجب التخلص منه فى أقرب سلة فضلات زواج.. العانس فى مصر ليست محبطة فقط ولكنها لابد أن تتحول، رغماً عنها، إلى إنسانة عدوانية تحت ضغط الأقارب والأهل والأصدقاء ونظرات العطف والشفقة..

بحثتُ عن زوج ولكن بأسلوبى الخاص وملكاتى الفطرية، جسدى لن يروى جفافه رجل، حبى لن يتلقاه إنسان، علمونى أن الوِحشة لابد أن تكون نغشة!، علمونى أنه لابد أن أعرض نفسى كسلعة من أجل زواج وارتباط وظل رجل وسقف بيت، كنت على استعداد لتحمل مسؤولية رجل والصرف عليه من أجل التخلص من لقب آنسة، لم أطارد نجماً سينمائياً بل طاردت مذيعاً عادياً، مجرد قارئ نشرة لا يحمل أى سمات رومانسية، ولا يرسل من خلال الشاشة أى رسائل غرامية، سقف طموحى كان منخفضاً للغاية، لم أطمع فى تامر حسنى أو عمرو دياب، بل تمنيت مذيعاً لم يحفظ أحدكم اسمه إلا بعد مصرعى برصاصة من مسدسه».

تستكمل ماجدة مذكراتها، قائلة: «صورنى زوجى على أننى هولاكو وهو صاحب النفوذ والشهرة، رسم لى ملامح دراكولا وهو الذى كان من الممكن جداً والسهل جداً بيده الطايلة أن يحبسنى أنا وأهلى، وعلى فكرة، لا يوجد رجل يتم إجباره على علاقة جنسية، خاصة أنه يقول عنى وحشة وتخينة ويتهمنى بأننى كنت أغضب عندما يفشل معى فى علاقته، فى الوقت نفسه، الذى يتحدث فيه عن علاقة البلكونة التى استمرت حتى الصباح، رغم تخنى ووحاشتى!، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو سر هذه القبلة الملتهبة فى عيد الميلاد؟، أنا يا أساتذة يا مثقفين يا فاهمين.. واحدة ست مظلومة، انكتب عليها الخرس فى بلد مابيتكلمش فيه إلا الرجالة والمشاهير، واحدة فى رحلة بحثها الملهوف عن الزوج والنصيب اتكعبلت فى مريض علشان تكتمل دايرة القهر».